[b]وجدت قلبي......وجدت قلبي[/b]

وجدت قلبي…وجدت قلبي
أورد ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه جامع العلوم والحكم
أنه كان بعض أصحاب ذي النون يطوف ينادي أين قلبي ؟ من وجد قلبي ؟
فدخل يوما بعض السكك فوجد صبيا يبكي وأمه تضربه ثم أخرجته من الدار وأغلقت الباب دونه فجعل الصبي يلتفت يمينا وشمالا لا يدري أين يذهب ولا أين يقصد فرجع إلي باب الدار فجعل يبكي ويقول :

يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقت بابك عني ؟

ومن يدنيني إذا طردتيني ؟

ومن الذي يدنيني إذا غضبت علي ؟
فرحمته أمه فنظرت من خلل الباب فوجدت ولدها تجري الدموع علي خديه متمعكا في التراب ففتحت الباب وأخذته حتي وضعته في حجرها وجعلت تقبله وتقول :

يا قرة عيني ويا عزيز نفسي أنت الذي حملتني علي نفسك ،

وأنت الذي تعرضت لما حل بك ،

لو كنت أطعتني لم تلق مني مكروها
فتواجد الفتي ثم صاح وقال : قد وجدت قلبي قد وجدت قلبي .

أحبائي في الله ……….

هذه القصة وهذا المشهد المؤثر رغم قصره إلا أن فيه دروسا وعبرا كثيرة منها :

1- أن العباد هم سبب الشقاء الذي يعيشون فيه والبؤس الذي يتجرعون مرارته
وذلك ببعدهم عن الله تعالي ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي )
سورة ( طه ) آيه(123 ، 124 ، 125 )

( وماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعف عن كثير )
إن البعد عن منهج الله واتباع الشهوات والأهواء هو سبب شقاء البشرية الذي تعيش فيه والانحلال الأخلاقي الذي يستشري في مجتمعاتها والشذوذ الجنسي الذي سري في عروقها . انه الانهيار الاقتصادي والاستبداد السياسي والانحلال الأخلاقي .

2- أنه لا غناء لنا عن الله تعالي ورحمته ومغفرته وجوده وكرمه
فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ،

فيا رب من يفتح لنا الباب إذا أغلقت بابك عنا ؟

ومن يؤوينا إذا طردتنا عن جنابك ؟

ومن الذي يرحمنا إذا غضبت علينا ؟


يارب .. يارب ... يارب

ليس لنا غيرك ، و ليس لنا سواك ،

لا إله لنا غيرك فندعوه ولا رب لنا سواك فنرجوه

ولا منجي ولا ملجأ منك إلا إليك

فقربنا يا رب من جنابك ولا تطردنا عن بابك
ولا تحرمنا من برد رحمتك وسعادة مغفرتك ولذة النظر إلي وجهك الكريم
(أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك )
وفي الحديث( .... يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكن تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ..........)


3-أن الله أرحم بعباده من آبائهم وأمهاتهم
الله تعالي أرحم الراحمين وفي الصحيح ( والله لله أرحم بعباده من الوالده بولدها ) يغفر الذنوب ويستر العيوب ويجازي علي القليل بالكثير الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها فإذا تاب العبد إليه غفر له ذنوبه حتي يصبح كيوم ولدته أمه ، ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم )

وفي الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم ( أن عبدا أذنب ذنبا فقال : يا رب إني فعلت ذنبا فاغفرلي ، فقال الله علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي )

قال الفضيل بن عياض : ما من ليلة اختلط ظلامها وأرخي الليل سربال سترها إلا نادي الجليل جل جلاله : من أعظم مني جودا والخلائق لي عاصون وأنا لهم مراقب أكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوني ، وأتولي حفظهم كأنهم لم يذنبوا فيما بيني وبينهم أجود بالفضل علي العاصي وأتفضل علي المسئ ، من الذي دعاني فلم أستجب إليه ، أم من الذي سألني فلم أعطه ، أم من الذي أناخ ببابي فنحيته ، أنا الفضل ومني الفضل ، أنا الجواد ومني الجود وأنا الكريم ومني الكرم ، ومن كرمي أن أغفر للعاصين بعد المعاصي ، ومن كرمي أن أعطي العبد ما سألني وأعطيه ما لم يسألني ومن كرمي أني أعطي التائب كأنه لم يعصني ، فأين إلي غيره يهرب الخلائق وأين عن بابه يلتجئ العاصون .


4- أيها العاصي إذا أردت أن يتوب الله عليك
أيها السائل إذا أردت أن يستجيب الله دعائك ويفيض عليك
فادخل علي الله من باب الذل والانكسار يتوب عليك ويفيض عليك
استخدم أخلاق الأطفال فالطفل إذا لم يعط ما يريد يبكي أبويه حتي يأخذ ما يريد ، أدخل علي لله من باب الذل والانكسار أدخل علي بابه بدمعة تغسل بها ذنوبك وخشية ووجل يطهر قلبك واعلم ( أن الله تعالي حيي كريم يستحي من العبد إذا رفع يديه أن يردهما صفرا خائبتين )
فالذل والانكسار والخضوع هو جوهر العبادات كلها ولذلك كان الدعاء من أفضل العبادات وأكرم شيئ علي الله ( ليس شيئ أكرم علي الله من الدعاء )
أظهر فقرك وعجزك وانكسر بين يدي الله تفوز بمطلوبك وتغفر لك ذنوبك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته