ولما مات الرشتي توجه إلى شيراز فأقام حسين البشروئي (قرة العين) مقام الرشتي في التدريس لتلاميذ الرشتي بكربلاء وكانت قد اصطفت لنفسها من بينهم رجلاً قوياً يقال له محمد علي البارفروشي ولقبوه القدوس .
وقد توجه البشروئي إلى شيراز ولحق بعلي محمد الشيرازي وأخذ يستغل سذاجة هذا الشاب وغروره فواصل الاجتماع به وأوهمه أنه يوشك أن يكون له شأن وأنه علم من شيخه الرشتي الإشارة إلى أن علي محمد الشيرازي يمكن أن يكون هو الباب وأن البشروئي هو باب الباب ولم يزل به حتى أعلن هذا الشاب المغرور في شيراز أنه باب المهدي. وسارع حسين البشروئي ؛ ليبشر بقية التلاميذ بظهور الباب وأعلن أنه هو باب الباب .
وقد ظهر أن وراء هذه العصابة الجاسوس الروسي " كنياز دالكوركي" ، الذي كانت وظيفته الظاهرة مترجماً بالسفارة الروسية في طهران، تظاهر أنه اعتنق الإسلام وأخذ يلازم مجلس كاظم "الرشتي " ويغرس هذه الشجرة الملعونة في أرض الأمة الإسلامية وقد لعب دورًا خطيرًا في ضم مجموعة من الرجال إلى هذه العصابة ؛ إذ جلب لها رجلاً يقال له: حسين علي المازندراني والمولود بطهران عام 1233هـ ، وقد أوصى إليه هذا الجاسوس بعد ذلك بدعوى الألوهية والتلقب بالبهاء. واستعمله مخلب القط لكل ما يريد. كما ضم إلى هذه العصابة يحيى المازندراني الأخ غير الشقيق لحسين علي ولقبه بعد ذلك بصبح الأزل .
رغم انضمام "حسين علي" لدعوة "الباب الشيرازي". فإن الأخير لم يعتبره من "حروف حي" وهم الأشخاص الذين يشكلون صفوة الزعامة لدعوة البابية الضالة ؛ ما دفع "حسين علي" إلى الحقد على "الباب" وتحين الفرص للانشقاق وهو ما حدث بالفعل.
ويقول هذا الجاسوس الروسي في مذكراته التي نشرت في مجلة الشرق "السوفيتية" سنة 1925م: "والخلاصة أني خرجت حسب الأمر في أواخر سبتمبر إلى العتبات العاليات وفي لباس الروحانية باسم "الشيخ عيسى اللنكراني". ووردت كربلاء المقدسة.
ويقول: وكان بقرب منزلي طالب علم يسمى السيد علي محمد من أهل شيراز صادقته بحرارة ، وكان يضيفني وكنا نشرب الحشيش. ثم يستمر هذا الجاسوس في مذكراته فيقول: سأل طالب تبريزي يوماً السيد كاظم الرشتي في مجلس تدريسه فقال : أيها السيد: أين صاحب الأمر الآن؟ فقال السند: أنا ما أدري ولعله هنا ولكني لا أعرفه.
ثم يشرح الجاسوس كيف حاول باستمرار الإيحاء إلى علي محمد رضا هذا أنه هو المنتظر إلى أن أقنعه بذلك بواسطة حسين البشروئي فأعلن أنه الباب.
ويصف الجاسوس نصائحه إلى هذا الباب فيقول له: إن الناس يقبلون منك كل ما تقول من رطب ويابس ويتحملون عنك كل شيء حتى ولو قلت بإباحة الأخت وتحليلها للأخ فكان السيد يصغي ويستمع ، فطفق كل من الميرزا حسين علي- البهاء- وأخوه الميرزا يحيى - صبح الأزل - والميرزا رضا علي - الباب - ونفر من رفقتهم يأتونني مجدداً ولكن مجيئهم كان من باب غير معتاد للسفارة.
أعلن علي محمد الشيرازي بتشجيع حسين البشروئي وتدبير الجاسوس الروسي أنه الباب إلى الغائب الذي بالسرداب، ثم توجه من شيراز إلى بو شهر مختفياً. وأخذ البشروئي يذيع أنه رأى الباب بعينه وأخذ يدعو الناس إلى متابعته وأطلق على من تبعه اسم (البابية) ثم لم يلبث البشروئي أن حوله من باب المهدي إلى المهدي نفسه وأطلق عليه "قائم الزمان" وانضم إليه في ذلك رجل يقال له محمد علي البارفروشي وآخرون بلغ عددهم سبعة عشر رجلا ًوامرأة وهي الملقبة لديهم بقرة العين وتوجهوا إلى بو شهر واجتمعوا بزعيمهم الجديد ( الباب ) وصاروا معه تسعة عشر شخصاً. فلذلك قرر أن يجعل عدة الشهور تسعة عشر شهراً والشهر تسعة عشر يوماً واعتبر اليوم الذي أعلن فيه دعوته يوم 5 من جمادى الأولى سنة 1260 هـ هو بدء التاريخ ثم جمع جملاً متناقضة مملوءة بالسفسطات والأكاذيب وجعلها أساس دينه الجديد وسماها البيان.
ثم أدعى أنه الممثل الحقيقي لجميع الأنبياء والمرسلين فهو نوح يوم بعث نوح وهو موسى يوم بعث موسى وهو عيسى يوم بعث عيسى وهو محمد يوم بعث محمد عليهم الصلاة والسلام. ثم زعم أنه يجمع بين اليهودية والنصرانية والإسلام وأنه لا فرق بينها. ثم أنكر أن يكون محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين وحرّم قراءة القرآن ثم زعم أن الله تعالى حلّ فيه وادعى أنه أكمل هيكل بشرى ظهرت فيه الحقيقة الإلهية. وأنه هو الذي خلق كل شيء بكلمته. وألغى الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة الجماعة إلا في الجنازة وقرر أن الطهر من الجنابة غير واجب، وأن القبلة هي البيت الذي ولد به في شيراز أو البيوت التي يعيش فيها هو وأتباعه، وجعل الحج هو زيارة هذه البيوت. أما الصوم فيكون من شروق الشمس إلى غروبها لمدة شهر بابي أي تسعة عشر يوماً وينتهي بعيد النيروز المجوسي. وأباح لأتباعه خمسة أيام قبل الصيام يرتكبون فيها ما شاءوا من الشهوات وأوجب أن يؤخذ في الزكاة خمس المال، وأوجب الزواج على من بلغ الحادية عشرة من الذكور والإناث ولا يحتاج الزواج لأكثر من رضا الذكر والأنثى ويجوز إيقاع الطلاق تسع عشرة مرة وعدة المطلقة تسعة عشر يوماً ، ولا يجوز الزواج بأرملة إلا بعد دفع دية وبعد انقضاء عدتها ومقداره خمسة وتسعون يوماً، وحرم على المرأة الحجاب ، وقرر أنه لا وجود للنجاسة ، وأوجب دفن الميت في قبر من البلور أو المرمر المصقول ، مع وضع خاتم في يمناه منقوش عليه فقرة من كتابه البيان. وأوجب استقبال قرص الشمس ساعة عند شروقها .
وقد ثار علماء شيراز على دعاة البابية فقبض واليها حسين خان عليهم ، ثم أمر بإحضار الباب من بو شهر فأحضر وأحيل إلى مجلس الحاكم فخر على الأرض ترتعد فرائصه فلطمه الحاكم وبصق في وجهه ثم رمي به في السجن سنة 1847م. ثم رأى الحاكم أن يختبره بنفسه فأرسل إليه وأحضره من السجن ، وأظهر له أنه تأسف على ما بدر منه فانطلق الباب المغرور يمنيه بأنه سيجعل منه سلطاناً فيما بعد على الدولة العثمانية حينما تدين الدنيا كلها له ولأتباعه . ثم فوجئ الباب بحشد من العلماء في قصر الحاكم ففزع فأوهمه الحاكم بأنه جمعهم للتمكين لدعوته وإعلانها فاغتر الباب وحضر مجلس العلماء ثابت الجنان ثم بدأ يخاطب العلماء بقوله إن نبيكم لم يخلف لكم بعده غير القرآن فهاكم كتاب البيان فاتلوه تجدوه أفصح عبارة من القرآن ، ولما اطلع العلماء عليه وجدوه كفراً بواحاً وأخطاء فاحشة في اللغة فلما نبهوه إلى هذه الأخطاء ألقى اللوم على الوحي الذي جاء بها هكذا .
وهنا أمر الحاكم رجاله فعلقوه من رجليه ثم انهالوا عليه ضرباً فأعلن أنه كفر بدعوته ورضي أن يطاف به في الأسواقِ على دابةٍ شوهاء ثم أعيد إلى سجن شيراز.
بيد أن الجاسوس الروسي بواسطة جاسوس روسي آخر هو منوجهر خان الأرمني الذي دفعته الحكومة الروسية لإعلان إسلامه فغمره الشاه بالفضل وأولاه ثقته وعينه معتمداً للدولة في أصفهان استطاع ر هذا أن يخلص الباب من السجن ويهربه إلى أصفهان. ولما مات منوجهر عثر بالباب يمرح في قصره فقررت الحكومة نفيه إلى قلعة ماكو بأذربيجان.
التكمله فى الموضوع التالى