سيـد الكونين، جد الحسنيـن، ابن عبد الله..
تواضــع في نفسك وأنت تقــرأ عنه، واستشعر المهابــة حين تكتب عنه.. تصــور أن تكتب عن نبـي!،
تذكر أخطاءك وذنوبــا اقترفتها خلف باب مغلــق، ثم خرجت بعدهــا بوجه محايد وعينين خائنتيــن!.
زمان كان الإمام مالك إذا حــدث عن رسول الله صام يومين، وأفطر على التمــر والحليب، ثم يتوضــأ، ويتعطر، ويشحب وجهـه ويخطفه العشق!،
زمان كانوا يتلون القرآن، وكأنهم يسمعونــه –في كل مرة- كأنها أول مــرة.. كلام الله الذي يخاطب –في مجملــه– النبي، تصور أن الله يكلم –بكلامه– بشرا، مخصصــا بالفضل، مذكــورا بالمديح، مقرونــا بالثناء.
تصور أن الله الجليل الذي خلــق مائة مليار مجــرة يخص بشرا بالحديــث له وعنه، تصور فرحــة نوح والخالق العظيــم يتوجه إليه بالخطاب {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليكْ}،
ويقول للخليل إبراهيم {يا إبراهيم أعرض عن هذا}،
ويقول لموسى: {يا موسي إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي}..
تصور فرحة الأنبياء بخطاب الجليل العزيز لهم، وهو سبحانه المستغني عن عبادة العباد، ثم حاول أن تتخيل بعد ذلك أن الله تعالى لم يخاطب رسول الإسلام باسمه قط، وإنما ( يا أيها النبي)، ( يا أيها الرسول).. تأمل ثم حاول ألا يغشى عليك.
وأنت بمجهودك البشري، وأسلوبك الرديء، وفقرك اللغوي تحاول أن تكتب عنه، توجه له التحية، تعبر عن مقامه العلي، فإن الحروف تصرخ صرخة العجز المدوية، وتكاد تقول لك:
ماذا تريد؟، هل تتساءل عن مقامه؟، أنت تقف أمام شاطئ البحر الأعظم، تظن أنك غرقت ولم يبتل منك سوى أظفر أصبعك الصغير، وتقول إنك شربت النهر بينما أنت لم ترشف منه إلا قطرة واحدة!.
استمع إلى قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي}، {ورفعنا لك ذكرك}، {فإنك بأعيننا}، بينما قال لكليمه موسى عليه السلام {ولتصنع على عيني}، وقال لنبينا: {ومن آناء الليل فسبح، وأطراف النهار لعلك ترضى}، بينما كان موسى يقول: {وعجلت إليك ربي لترضىْ}، كانت شحنة حب للنبي محمد هائلة.. في حب وإشفاق: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}، وحتى حينما يعاتبه لا يتوجه إليه مباشرة بالحديث، وإنما يستخدم ضمير الغائب {عبس وتولى}.
عشرات، ومئات، وآلاف الآيات، بل القرآن كله حديث حب للرسول الكريم، وبيان للناس كافة عن مقامه العظيم، لا نقدر أن نحيط بالأسباب الكاملة لهذا الاصطفاء.