آخرتك من صنع يدك ....!

حكاية اليوم : المسابقة في الخيرات

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.


حكاية اليوم حكاية عجيبة،

في إحدى البلاد اتفق الناس فيما بينهم على دستور خاص لنظام البلاد،

من أهم بنود هذا الدستور

أن من يتولى المُلك في هذه البلاد يبقي فترة واحدة مدتها خمس سنوات غير قابلة للتجديد،

ثم يُخْرَج إخراجاً بعد انتهاء هذه الفترة إلى الصحراء،

فكان الذي يتولى المُلك يستغل ملكه في اللعب والتمتع بكل ما تحت يده.

فإذا ما قارب آخر المدة وجاءه من يُذكره بوقت الخروج؛ يغضب جدا، ويملؤه الغم والهم.

فالذين تولوا هذا المُلك منهم من مات هما وغما قبل الخروج،

ومنهم من أخرج مهموما ومات من الجوع،

ومنهم من أكلته السباع،

حتى عزف الناس عن هذا المُلك، ورفضوا هذه الوظيفة،

وأعلنت الحكومة الحاجة إلى شغل منصب رئيس أو ملك ولم يتقدم أحد.



في هذه الأثناء مرَّ رجلٌ غريبٌ عاقلٌ ذكيٌّ وجد الحالة مضطربة، فقال: مالكم؟

قالوا: نريد رجلا يكون ملكا علينا. قال: وهل يرفض المُلكَ عاقل؟

قالوا: إن عندنا شرطاً مهماً لمن يتولى الملك،

وهو أن تكون مدته خمس سنوات غير قابلة للتجديد، ويُخرج بعدها إلى الصحراء؟


راجع الرجل نفسه ثم قال: على بركة الله قبلتُ الملك.

وتولّىَ هذا الرجل العاقلُ الملكَ، وعاش معهم خمس سنوات كانت أسعد سنين حياتهم،

عدل فيهم، وساوي بينهم في العطاء، وتحبَّب إلى الكبير والصغير، ولم يجامل ولم يرتشِ،


بخلاف الذين سبقوه، فأحب الناس جدا وأحبه الناس.

قبل انتهاء السنة بشهر جاءوا يذكرونه بأنه بقي له في الملك شهر،

فوجدوه مسروراً، ثم جاءوا يذكرونه بأنه بقي أسبوع،

فوجدوه أشد سروراً،

وفي ليلة الخروج جاءوه وقالوا: يا فلان غدا ستُخرج إلى الصحراء،

فوجدوه من شدة فرحه وسروره كأنه عريس سيزف إلى عروسه في الصباح،

فتعجب الناس، وقالوا: أيها الملك إن لك أمرا عجيبا؟

كل الذين كانوا من قبلك إذا ذكرناهم غضبوا، وبعضهم مات

من الهم، أما أنت فكلما اقترب وقت خروجك ازددتَ سروراً، فما الأمر؟

قال: حينما تخرجونني إلى الصحراء إن شاء الله غداً تعرفون لماذا أنا سعيد.


خرجوا معه إلى الصحراء فوجدوا عجبا،

قد صارت الصحراء جنات وأنهاراً وبيوتاً وزروعاً وثماراً وما شاء الله من الخيرات،

فقالوا: ما هذا؟ قال: المسألة كانت في غاية البساطة ولا أدري كيف غابت عن الذين سبقوني،

قالوا: كيف؟

قال: لما قلتم لي إن مدة الملك غير قابلة للتجديد، وعلمت أن نهايتي الطبيعية ستكون في هذه الصحراء،

وأنا أملك ا لسلطان؛ أرسلت البناءين فبنوا القصور، والزراع فزرعوا الأشجار وحفروا الأنهار وأجروا الماء،

والصُّنَّاع وسائر أصحاب الحرف، فأحالوا الصحراء إلى جنة أفضل من التي أعيش فيها.

فتعجبوا من سهولة الفكرة وبساطتها، وكيف غابت عن سائر المغفلين الذين سبقوه في الملك.


هذا هو حال البشرية، وهذا الرجل يمثل العقلاء فيها، فما من أحد منا إلا ووقَّت الله له في

الحياة مدة غير قابلة للاستئناف (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف: 34)

ولذلك فالعاقل يقول لنفسه: ما دمتُ سأنتقل لماذا لا أعمر الدار التي سأنتقل إليها؟


أزرع فيها الأشجار وأحفر فيها الأنهار وأبني فيها القصور، بفعل الخيرات والطاعات وترك المنكرات والمحرمات،


فرب العالمين يغرس بيده لأهل كرامته كما قال لسيدنا موسي عليه السلام وهو يسأله عن أعلى أهل الجنة منزلة؟ قال: «أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» (أخرجه مسلم، ك: الإيمان، ب: أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا 1/176 (189/312).

والله يبذل لنا في مقابل الحسنة الواحدة مئات وآلافا وأضعافا لا حصر لها (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُأَضْعَافاً كَثِيرَةً) (البقرة: 245)

لماذا لم يعدد لنا ربنا الأضعاف؟ ليترك الباب مفتوحاً على قدر إخلاص العبد وقربه من الله سبحانه وتعالى،

والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ؟ قَالَ: «رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ، فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا» (أخرجه النسائي، ك: الزكاة، ب: جهد المقل5/59، وصححه ابن حبان 8/135(3347)

وأخرج أحمد عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى عَبْدَهُ

الْمُؤْمِنَ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ. قَالَ: فَقُضِيَ أَنِّي انْطَلَقْتُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِراً فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ

أَنَّكَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْحَسَنَةِ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ»
. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ، بَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِيهِ أَلْفَىْ أَلْفِ حَسَنَةٍ». ثُمَّ تَلاَ (يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء: 40)

فَقَالَ: إِذَا قَالَ أَجْراً عَظِيماً فَمَنْ يَقْدُرُ قَدْرَهُ (أخرجه أحمد 2/521(10760) وقال الهيثمي في المجمع 10/145: «رواه أحمد بإسنادين والبزار بنحوه وأحد إسنادي أحمد جيد»).

وهاك قصة عاقل عرف كيف يدخر في بنك الآخرة بأعلى نسبة فائدة متصورة، أخرج ابن أبي حاتم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ اللهَ لَيُرِيدَ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ»، قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي. وَلَهُ حَائِطٌ فِيهَا سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهِ وَعِيَالُهَا، قَالَ: فَجَاءَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَنَادَاهَا: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ، قَالَتْ لَبَّيْكَ، فَقَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي رِوَايَةٍ، أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: رَبِحَ بَيْعُكَ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ، وَنَقَلَتْ مِنْهُ مَتَاعَهَا وَصِبْيَانَهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «كَمْ عِذْقِ رَدَاحٍ(أي ممتلئ بالثمار) فِي الْجَنَّةِ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ»، وَفِي لَفْظٍ«رُبَّ نَخْلَةٍ مُدَلاةٍ، عُرُوقُهَا دُرٌّ وَيَاقُوتٌ، لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ» ( أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير، سورة الحديد).


اللهم اجعلنا من أهل الجنة العاملين لها، الساعين إليها، الجادين في طلبها المشترين لها بالأموال والأنفس والثمرات بحولك وقوتك يا رب العالمين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في دار النعيم، إنك يا ربنا على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

بارك الله فيك اخت وايت

وجزاك الله خيرا

واشكر مرورك الطيب

بارك الله فيك اخت شهد

وجزاك الله خيرا

واشكر مرورك الطيب

اللهم ادخلنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب