ثم ماذا وراء ما يبث وراء الشاشات ويذاع على مدار تلك السنين؟!
ماذا خلّفت لنا تلك المسلسلات والأفلام والبرامج؟!
ماذا بعد جمود الوعي وتزييف الإحساس؟!
ماذا عن العاطفة؟! كيف صوروها؟! وماذا عن الحب كيف مثلوه لنا؟!
إن الانحراف في متابعة ما يبث في وسائل الإعلام المشاهد والمسموع والمقروء؛ وتراكم ذلك عبر الوقت كوّن تصوراً خاطئاً للعاطفة، ومفهوماً مزيفاً للحب الذي يعيش أوهامه البعض.
وذلك من خلال المسلسلاتِ المنحلّةِ، والأغاني الماجنة، والمجلات الفاتنة والقصص الجوفاء ذات البطولات المشوهة، والمغامرات السخيفة، والروايات الهدّامة، والشعرِ والأدبِ الخاليين من الأدب؛ الذي يعرف بشعر الحب، وشعر الغزل، والشعرالغنائي.. وما إلى ذلك؛ الذي ما هو إلا تصوير للرذيلة وتهوين لما يستقبحه الشرع وتمجه الفطر السوية؛ من النظرة الحرام ووصف المفاتن واللقاء المحرم والعلاقة المحرمة.
فتنشأ عن ذلك عاطفة وأحاسيس تحاكي ذلك الغثاء، وتصبح العفة والحياء سلوك متخلّف شاذ !
وبالطبع خَلَفَ هذا التراكم استجابات وردود أفعال مستوحاة من نفس الحمأة التي عاش فيها ذلك المتلقي، وتأثر بالأجواء الموبوءة في محيطها القذر.
متدفق الإحساس -اليوم-؛ من يستمع لأغنية بل ينصت لها ويخشع ويعيشها بكل ذراته. ورقيق المشاعر؛ من يتأثر بالغ التأثر لقصيدة أو رواية أو قصة؛ الأدب والدين فيها غريبان.. ومرهف الوجدان؛ من يتأثر من مشهد مسلسل فتدمع عيناه !
لكن كيف من هذا حاله لو استمع للقرآن، الذي هو شفاء ورحمة، هل تراه يخشع قلبه وتذرف عيناه؟!
كلا، لأن القرآن حق ولا تتأثر به إلا القلوب الحيّة المتعلقة بالله، أما القلوب المتعلقة بالباطل فقد ماتت وفقدت الإحساس -وما لجرح بميت إيلام-. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: « مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ». وذكر الله يكون باللسان والجوارح والقلب، فاحكم على نفسك بالحياة أو الممات..
لقد تأثّرت الجمادات، ولم تتأثر وأنت صاحب الإحساس !
قل لي.. أين أنت من الحجر الذي يهبط من خشية الله ؟! وأنت تعصي الله ولا تخشاه..
حجر يتأثر وأنت لا تتأثر ؟! فأي إحساس تدّعي ؟!
أين أنت من الجبل الأصم الذي لو أنزل عليه القرآن لتصدع ؟!
أين أنت من الأشجار والأحجار والدواب وكل من الكون يسبح بحمد الله؟! { وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }..
أترضى بأن تكون الدواب والأحجار خير منك وأنت صاحب الإحساس ؟! بل إن الأمر أشد من ذلك، ألا تعلم أن الحجر والشجر والدواب يستريح من موت الفاجر؟
وأنت تأنس بالفسقة والفجار، وربما أحببت بعضهم و « يحشر المرء مع من أحب ».
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وإعجابك بهم حقيقة هو إعجاب بالمعاصي والسفور، والاختلاط وألوان المعاصي التي يقدمونها.. أم أنك لا تعلم حرمة ما يقدّمون ؟!
ألست تعلم أن الغناء محرم بالكتاب والسنة، وأنه يورث النفاق؟! وهو رقية الزنى والحجاب الكثيف عن الرحمن ؟!
ألست تعلم أن الأذن تزني وزناها السمع ؟!
ألست تعلم، وأنت تقلّب عينيك في النساء من خلال الشاشات، أن العين تزني وزناها النظر؟! وهم يتفننون في اختيار الفتيات الجميلات؛ خبثاً، لتسويق عفنهم.
أين عاطفتك التي تزعم؛ والأمة تُنهش والعدو يجتاحنا صباح مساء، يقتل وييتم ويرمّل ويهدم وينتهك الأعراض ؟؟
إن لم تتحرك اليوم فيك الأحاسيس، فقل لي يربك متى تتحرك ؟!
ألا يشدّك في بلادنا المكلومة.. منظر الدماء وصرخات الرضّع ؟! وأنّات الثكالى ودموع في خدود مسنّة ؟! ألا تصفعك الحقائق يا من تعيش الخيالات ؟!
كيف تدّعي الإحساس وأنت أجنبي عنه ؟!
ألم يتبين لك زيف تلك المشاعر التي تكونت لديك من تراكم ذلك العفن ؟!
فوالله إن هذه المشاعر الباردة لمشاعر الكسلان، الذي أخلد إلى توافه الأمور، فأخذ يصطنع التبريرات لقبيح ما يصنع..
وقبل أن أتركك تراجع نفسك.. أذكّرك بأن المداومة على المعاصي تفقد القلب نور التمييز، فلا يعرّف معروفاً ولا ينكر منكراً، كما جاء في الحديث الصحيح.
قال الله تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي غطّى على قلوبهم وحجبها ما كانوا يكسبون من الآثام. فأزل عن قلبك هذا الران، وعن عينيك هذه الغشاوة، وانظر بمنظار المنهج القويم، ولا تنظر بمنظار الشهوات والأهواء.
أسأل الله أن تجد كلماتي المتواضعة طريقها إلى قلبك والله يرعاكم